دفاع الفلسطينيين عن بلادهم
- وكانت التهمة الثانية أن عرب فلسطين لم يدافعوا عن بلادهم وهي فرية لا ظل لها من الحقيقة، فالناس جميعاً يعلمون كيف كافح أهل فلسطين، اليهود والإنجليز معاً، مدة ثلاثين عاماً لم يقهروا خلالها أبداً ، رغم كثرة القوات البريطانية وقوات الشرطة المحتلة وقوى اليهود المنظمة . وليس يخاف على أحد استبسال المجاهدين الفلسطينيين في الذود عن وطنهم وإقدامهم على التضحية وبيعهم نفوسهم بيع السماح في سبيل الله، حتى شهد لهم بذلك العدو والصديق، ورفعوا بجهادهم اسم العرب عالياً في العالم . فمن ذلك ما ذكره المرحوم محمد رستم حيدر وزير مالية العراق الأسبق لبعض زائريه في لبنان عندما كان راجعاً من أوربا صيف 1939 بقوله : لقد كنا في زياراتنا الماضية لأوربا نتحاشى التظاهر بأننا عرب . ولكننا هذه المرة، بعد جهاد عرب فلسطين وبطولتهم التي طبق ذكرها آفاق أوربا، أصبحنا نفخر بعروبتنا وصرنا نلقى من الأوربيين كل إجلال واحترام
هتلر يستشهد بجهاد عرب فلسطين :
ومن ذلك ما قاله هتلر للسيد خالد القرقني مستشار المرحوم جلالة الملك عبد العزيز آل سعود في مقابلة رسمية له عام 1938 من أنه معجب كل الإعجاب بكفاح عرب فلسطين وبسالتهم . وكذلك جاء في بيان رسمي وجهه هتلر إلى الألمان في السوديت حينما كانوا يحاولون الخلاص من حكم تشيكوسلوفاكيا عام 1938 والانضمام إلى ألمانيا ما معناه: "اتخذوا يا ألمان السوديت من عرب فلسطين قدوة لكم إنهم يكافحون إنجلترا أكبر إمبراطورية في العالم، واليهودية العالمية معاً، ببسالة خارقة، وليس لهم في الدنيا نصير أو مساعد، أما أنتم فإني أمدكم بالمال والسلاح، وإن ألمانيا كلها من ورائكم" .
ما كتبه الجنرال ولسون عن مجاهدي فلسطين :
ما كتبه الجنرال ولسون عن مجاهدي فلسطين :
وقد جاء في كتاب ألفه الجنرال هنري ميتلاند ولسون الذي اشترك في المعارك ضد عرب فلسطين قبل أن يتولى قيادة القوات البريطانية في مصر ثم في منطقة البحر الأبيض المتوسط. ذكر مستفيض لبطولة عرب فلسطين خلال المعارك الدامية التي جاهدوا فيها القوات البريطانية إذ ذكر ما خلاصته :
"إن خمسمائة من ثوار عرب فلسطين يعتصمون في الجبال ويقومون بحرب العصابات، لا يمكن التغلب عليهم بأقل من فرقة بريطانية كاملة السلاح (أي خمسة عشر ألف جندي) .
الفلسطينيون في غزة يهزمون الإنجليز :
وفي الحرب العالمية الأولى عندما صمد لواء واحد من الجيش العثماني مؤلف من أقل من ثلاثة آلاف جندي فلسطيني في وجه فرقتين بريطانيتين أمام غزة وكبدهما خسائر فادحة وأرغمهما على التقهقر حتى العريش عام 1917م ، أصدر أحمد جمال باشا القائد التركي الذي اشتهر بخصومته للعرب، بياناً رسمياً أشاد فيه بالشجاعة الفذة التي أبداها أولئك الجنود الفلسطينيون في غزة أمام أضعاف أضعافهم من جنود الأعداء، وأنها بسالة خارقة تذكر بالشجاعة التي أبداها آباؤهم من قبل عندما حموا هذه البقاع المقدسة بقيادة صلاح الدين الأيوبي ... وكذلك اعترف كثيرون من أقطاب العرب وزعمائهم بشجاعة الفلسطينيين . ومبلغ ما بذلوه من جهود ودماء، ذوداً عن حياتهم أثناء المعارك الأخيرة التي وقعت عامي 1947 و1948م.
وإني لآسف إذا اضطر للاستشهاد بمثل هذه الأقوال والتصريحات بالثناء على أهل فلسطين في مجال الدفاع عنهم ببيان الحقائق التي حاولت الدعايات الأجنبية ودوائر المخابرات البريطانية واليهودية أن تطمسها بما سخرت لذلك من الصحف المأجورة والألسنة الخراصة لتشويه سمعة الفلسطينيين وإظهارهم على غير حقيقتهم .
براعة الفلسطينيين في حرب العصابات :
ولاشك أن كل منصف يعترف بأن مجاهدي فلسطين لم يغلبوا على أمرهم ولم يقهروا في ميدان الكفاح حينما كانوا يحاربون اليهود والإنجليز معاً حرب العصابات التي خذقوها، والتي هي أجدى وأنجع في مكافحة الجيوش النظامية، وأعظم أثراً، وأقل نفقة . وبحرب العصابات القائمة على أسس التضحية والاستماتة والبسالة استطاع الفلسطينيون أن يفضوا مضاجع أعدائهم أمداً طويلاً، وأن ينزلوا بهم الخسائر الفادحة، واستطاعت حركة الجهاد الفلسطيني في أعوام 36،37،38، 1939م أن تسيطر على معظم الأراضي الفلسطينية بل عليها كلها إذا استثنينا قليلاً من المدن التي انحصر الجنود الإنجليز داخلها وقتاً غير قليل في انتظار النجدات .
الإنجليز يسلحون اليهود ويدربونهم :
وفي الحوادث الأخيرة ظن الإنجليز الذين جردوا أهل فلسطين خلال الحرب العالمية الثانية من أسلحتهم ، وشردوا قادتهم وسجنوا الألوف من مجاهديهم وأرهقوهم ظلماً وعدواناً كما يفعلون اليوم في المكافحين من رجال ماو ماو في الوقت الذي كانوا يسلحون فيه اليهود ويدربونهم وينظمونهم ويساعدونهم بواسطة هيئة عسكرية إنجليزية كان يرأسها القائد (وينجت) المعروف – ظن الإنجليز أن كفة اليهود الحربية أصبحت راجحة ، وأن في استطاعتهم أن يتسلموا فلسطين حسب وعد بريطانيا القديم لهم ، فأعلنت بريطانيا أنها ستنسحب من فلسطين. ولكن أهل فلسطين رغم ضعف وسائلهم عامي 1947- 1948م قاموا بكفاح شديد أرغموا به يهود القدس، وعددهم نحو (115) ألفاً، على رفع رايات التسليم، بعد أن أرهقوهم وحاصروهم وقطعوا عنهم الماء والزاد والعتاد . وقد توسطت الهيئة الدبلوماسية في القدس حينئذ وجاءت بعثة من بعض أعضائها إلى دمشق في مارس سنة 1948م لمفاوضة الجامعة العربية والهيئة العربية العليا في هذا الأمر .
تفوق العرب في المعارك على اليهود :
وفي غضون ذلك كانت المعارك الكبيرة ناشبة بين العرب واليهود ففي مكان يعرف بالدهيشة، بين القدس والخليل، نشبت معركة كبيرة في 17 مارس سنة 1948 قتل فيها بضع مئات من اليهود ووقع منهم (350) أسيراً ، وغنم المجاهدون أسلحتهم وذخائرهم ونحو مائة وخمسين سيارة كان قسم كبير منها من المصفحات والمدرعات . ووقعت معارك صور يف وبيت سوريك وسلة ويافا ومعارك أخرى في المنطقة الشمالية قهرت فيها العصابات الفلسطينية اليهود وهزمتهم .
ولما شرع اليهود في استعمال المتفجرات وعمدوا إلى النسف، قابلهم المجاهدون بما هو أدهى وأمر، فنسفوا عمارة الستين بوست والوكالة اليهودية وشارع بن يهودا برمته ومحلة المنتفيوري وغيرها مما قصم ظهر اليهود، وجعلهم يطالبون بالعدول عن حرب المتفجرات .
وقد أبدى المجاهدون الفلسطينيون من البسالة والتصميم والتضحية ما ضمن لهم التفوق ورجوح الكفة على اليهود، حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت بواسطة مندوبها في الأمم المتحدة في 23 مارس 1948م عدولها عن تأييد قرار تقسيم فلسطين، (وقد وقعت جميع هذه الحوادث قبل أن تدخل الجيوش العربية فلسطين) .
12 ألف شهيد فلسطيني :
وقد بلغ عدد الذين استشهدوا م أهل فلسطين في ميادين الجهاد نحو 12 ألف شهيد، وبلغ عدد من أصيب منهم بجراحات وعاهات دائمة ضعف هذا العدد، وهذا بالإضافة إلى ألوف من السكان المدنيين ولاسيما من الشيوخ والنساء والأطفال الذين قتلهم اليهود والمستعمرون، كما أن خسائرهم المادية إلى ما قبل نشوب الحرب العالمية الثانية تقدر بعشرات الملايين من الجنيهات، فإن السلطات البريطانية نسفت أقساماً برمتها من مدن يافا واللد وجنين وعشرات من القرى العربية وأتلفت من روعات أهلها ومواشيهم وممتلكاتهم .
المؤامرة الإنجليزية لإبعاد الفلسطينيين عن ميدان القتال :
ولما رأي الإنجليز واليهود هذا الجد والتصميم والاستماتة من عرب فلسطين، وأن حرب العصابات تزداد توسعاً واندلاعاً، وأن أمدها سيطول، وستكون لها نتائج خطيرة في إثارة الشرق العربي والعالم الإسلامي، لجأوا إلى الحيلة لوقف حرب العصابات وإبعاد المجاهدين الفلسطينيين عن ميدان المعركة، لأنهم بطبيعة الحال أشد العناصر العربية تصميماً على القتال، واستماتة في الذود عن وطنهم وأنفسهم وممتلكاتهم، فعمد الإنجليز إلى تعديل خطة الدول العربية التي كانت قررت في اجتماع "عالية – لبنان" في السابع من أكتوبر عام 1948م أن يكون المعول في حرب فلسطين على أبنائها ، وأن تمدهم الدول العربية بالأسلحة والأموال وما إلى ذلك من وسائل المساعدة، وأن لا تدخل الجيوش العربية النظامية فلسطين. ولكني عندما شعرت في ذلك الحين برغبة بعض الشخصيات العربية الرسمية في إدخال الجيوش العربية فلسطين، وباندفاعها في هذه السبيل، أوجست في نفسي خيفة وأبديت ارتيابي وخشيتي من أن تكون وراء ذلك دسيسة أجنبية وعارضت في هذا معارضة شديدة ، ولم تكن جميع الدول العربية موافقة على إدخال جيوشها إلى فلسطين ولكن تيار الضغط الأجنبي على بعض الشخصيات المسئولة في الدول العربية في ذلك الحين كان بدرجة من الشدة اجتاح معها كل معارضة ، ودخلت الجيوش العربية وكانت مصر من أشد الدول معارضة لدخول جيشها في الحرب. ثم دخلت بتأثير دوافع متعددة كما ظهر في المحاكمات الأخيرة أمام محكمة الثورة، فقد قيل في صدد دخول الجيش المصري حرب فلسطين : "إن المرحوم النقراشي أسر إلى أحد كبار المصريين وقتئذ – أيهدى" من روعه ومعارضته – أن الإنجليز متحمسون لدخولنا الحرب، وأنهم وعدوه بمد الجيش المصري بالأسلحة والذخيرة التي يحتاج إليها..."
دعايات مضللة وتهم باطلة تذاع عن فلسطين :
- ولتبرير إبعاد الفلسطينيين عن ميدان المعركة قامت دوائر المخابرات البريطانية واليهودية، وغيرها من الدوائر الموالية لها، بدعايات واسعة مضللة وإشاعات مبطلة عن الفلسطينيين تكيل لهم فيها جزافاً أفظع التهم كتجسسهم على الجيوش العربية وبيعهم جنودها وضباطها لليهود، ونحو ذلك من الأكاذيب التي لا ظل لها من الحقيقة، ولا يعقل أبداً أن يرتكبها الفلسطينيون الذين هم أعظم الناس مصيبة باليهود والاستعمار، وأشدهم حتقاً عليهما. واستغل الخصوم بعض حوادث التجسس التي كان يقوم بها أفراد من اليهود فشأوا في البلاد العربية وحذقوا لغتها وعاداتها، وقد بثتهم دوائر الاستخبارات اليهودية في كل الجهات وهم يرتدون الثياب العربية حتى ظن أنهم من عرب فلسطين . وأذكر مثلاً لذلك حادثتين معروفتين في منطقة غزة الأولى أن القوات المصرية المسلحة قبضت على أثنين من اليهود يرتديان ثياب البدو بينما كانا يقومان بإلقاء ميكروبات الكوليرا وغيرها من الجراثيم الوبائية في آبار تلك المنطقة بقصد إبادة سكانها والقوات المصرية الموجودة فيها، والثانية قصة طريفة قصها على كل من الأمير الاي السيد مصطفى الصواف نائب الحاكم الإداري العام لقطاع غزة سابقاً ، والسيد عبد الرحمن الفرّا رئيس بلدية خان يونس، وخلاصتها أن دورية مصرية قبضت على رجل يرتدي ثياب بدو فلسطين بينما كان خارجاً من مستعمرة "كفار داروم، ومتجهاً إلى "خان يونس" وعند سؤاله زعم أنه ينتمي إلى عشيرة عربية مجاورة فلما سئل شيوخ العشيرة عنه أنكروه. ولما ضيق المحققون عليه الخناق اعترف أنه جاسوس يهودي، وأنه يتجه إلى خان يونس ليقابل فيها زميلاً له، فلما رافقوه ليدلهم على زميله كانت دهشتهم بالغة عندما دلهم على شيخ معمم مقيم بجامع البلد ويلبس الملابس الفلسطينية وكان هذا الشيخ يتظاهر بالورع ويصلي في الصف الأول، ويقيم في الجامع ، وفي نهاية التحقيق الرسمي اعترف هذا الشيخ المعمم بأنه يهودي ديناً وجنسية، وأنه يقوم بالتجسس على حركات الجيش المصري، وأنه تظاهر بأنه مسلم فيما مضى ، وانخرط في الجامع الأزهر في سلك الطلاب أمداً غير قصير درس خلاله الدين الإسلامي واللغة العربية ..
ولقد وقع كثير من أمثال هذه الحادثة كان يقوم بها يهود يتزينون بزي العرب الفلسطينيين ولا يتسع المجال لسردها الآن، مما ساعد على ترويج تلك التهم الشنيعة والإشاعات الكاذبة المضللة عن أهل فلسطين وهم منها براء. على أن أهل فلسطين كغيرهم من الشعوب منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، ولا يبعد أن يكون بينهم أفراد قصروا أو فرطوا أو اقترفوا الخيانة، ولكن وجود أفراد قلائل من أمثال هؤلاء بين شعب كريم مجاهد كالشعب الفلسطيني لا يدمغ هذا الشعب، ولا ينقص من كرامته، ولا يمحو صفحة جهاده العظيم